طالب في الصين…(فكر… مشاعر… هموم)
9/5/2007-16/1/2008

بين يدي المقال:

   كتب بعض الكتاب في السفر ما ألفت به الكتب، وما ملئت به الصحف والمجلات وكذلك المنتديات، ومع هذا فالموضوع لا يزال ثرياً مهما كُتب عنه، وذلك أن لكل إنسان نظرته ورؤيته للحياة والظروف والأماكن التي يمر بها، وكل كاتب بكل تأكيد له طريقة تفكير مختلفة ومشاعر واهتمامات غير تلك التي عند نظيره. وأكاد أجزم لو أن اثنين سافرا معاً إلى مكان واحد لعبر كل واحد منهم خلاف الآخر ولرأى الأول غير ما رأى الثاني ولا عجب في ذلك…

   وهنا تقرؤون عن تجربتي لأكثر من ثمانية أشهر قضيتها هنا في مدينة ووهان في وسط الصين، وعندما قلت تجربتي فأنا لا أقصد بها الظروف التي عشتها أو المواقف والقصص التي شاهدتها أو عن حياتي الشخصية أو عن أعمال قمت بها، لا إطلاقاً؛ بل ستكون خلاصة فكرٍ وعصارة مشاعرٍ وهمومٍ وأفكارٍ عايشتها، قاصداً بذلك إفادة القارئ الكريم الذي ربما لا تهمه تفاصيل حياتية قد تحدث لأي إنسان. هي خلاصة أصور فيها مرحله مررت بها؛ أكتب عنها بمشاعري وأفكاري وهمومي التي أعيشها الآن. ولربما لو كتبتها أنا بعد فتره قد تتغير بحكم نمو الإنسان وتطور فكره من حين إلى حين.
 
قبل السفر:

   على المرء حينما يعزم السفر إلى أرض ما، أن يعد العدة لذلك ولا أعني أن يشتري حقيبة ملابس وأغراضاً شخصية فهذا أمر بديهي لا يغفل عنه عاقل، ولكني أقصد الاستعداد النفسي والذهني إذ أن التهيئة النفسية الذاتية أمر بالغ الأهمية و أعدها رقم واحد في الاستعداد للسفر. سؤال بديهي يتبادر لذهن القارئ الآن؛ وكيف يكون هذا الاستعداد؟

   يكون ذلك بعدة أمور تختلف باختلاف نفسية المسافر، وأقصد قد تكون بعض الأمور مهمة عند شخص دون الآخر، لذلك سأحاول أن أجمل ولا أفصل. في البداية حدد مصادر المعلومات مثل: الكتب، الصحف والمجلات، أشخاص زاروا هذه البلدة وآخرين عاشوا فيها فترة، أشخاص من نفس البلد مقيمين في بلدك الآن، مواقع إنترنت (منتديات، مواقع حكومية، مواقع كتابها من تلك البلد، مواقع شخصية، مراسلات بريدية….)، قنوات فضائية، إذاعات، هذه أهم المصادر في نظري. اقرأ واسمع وابحث عن ماذا؟ عن الأشياء التي تهمك أنت؛ مثل الطقس، البيئة، طبيعة أهل البلد، طريقة العيش، نظام الحياة، الأمان، معاملتهم للأجانب، مستوى المعيشة، مكان الدراسة أو العمل….. إلى غير ذلك من الأمور التي تراها كفيلة بأن تعطيك تصوراً كاملاً عن المكان الذي ستذهب إليه. من الأشخاص الذين قابلتهم من كان يتابع قناة فضائية صينية وهو لا يفهم شيئاً؛ لكن هذا التصرف أعطاه شيئاً من التصور الذهني، وآخر كان يستمع لدروس صوتية عن اللغة الصينية، وآخر تابع ببرنامج قوقل إيرث هذه المدينة ورأى شوارعها، وآخر جالس شخصاً له مكتب تجاري هناك وأخذ منه معلومات. في هذه الفترة مهم جداً جمع المعلومات وليس جمع آراء، هذه نقطة مهمة يجب التفريق بين المعلومة وبين الرأي، قد يقول لك شخص خذ هذا واترك هذا وهذا جيد وآخر سيء لكن تبقى هذه وجهة نظره هو وقد يكون هذا الشيء بالنسبة لك خلاف ما يقول تماماً. صحيح أن له تجربة وتجارب الآخرين مهمة لا يستهان بها؛ لكن قد لا تكون تجربته تتطابق مع تجربتك وقد تكون الظروف التي مر بها غير الظروف التي ستمر بك، اجعل رأيه محل اهتمام لكنه يبقى رأي وليس معلومة، لأن الرأي مبني على مشاعر وأفكار، والمعلومة مبنية على حقائق، انتبه لهذا ولا تغفل عنه.

   بعد أن تجمع معلومات وفق المعايير التي وضعتها لنفسك؛ عليك الآن أن ترسم صورة ذهنية للحياة هناك، طبيعة الحياة والناس، كيف يمكن أن تتكيف هناك؛ حتى متى ما وصلت لتلك المدينة تجد نفسك مطمئنناً هادئ البال مرتاح واثق من نفسك ومن قرارك واختيارك. بهذه الطريقة تضمن بإذن الله سرعة التكيف والتأقلم مع ظروف الحياة الجديدة. ممن أعرف من تمنى لو لم يأتِ، ومنهم لم يتأقلم إلا بعد مده طويلة، ومنهم من كان سريع التكيف، وفيهم الوسط الذي تأقلم مع الوقت؛ وعلى كل حال هذا يختلف مقياسه باختلاف درجة الاستعداد وباختلاف الناس وطبائعهم.

   وقبل أن أنتقل إلى محور آخر تلاحظ أنني هنا لم أتطرق إلى قرار السفر، لأن كلامي هنا لمن عزم السفر وانتهى أمره، وأما المتردد يعتبر هذا الكلام متقدم بالنسبة له، ولكن أقول له باختصار: اجمع معلومات، استشر، استخر، توكل على الله وفوض أمرك إليه. ولم أكتب عن الاستعداد المادي والنظامي من إعداد الأوراق والمستندات الرسمية وغير ذلك من الأمور المهمة التي لا ينبغي أن يغفل عنها أي مسافر.

   ويبقى أمر بالغ الأهمية وهو الاستعداد الديني؛ وذلك بقراءة كل ما يتعلق بالسفر من أحكام وسؤال أهل العلم عن ما يشكل عليك؛ ولا مانع أن تسجل بعض عناوين العلماء حتى تسألهم وقت الحاجة، ورائع جداً ما فعله أحد الأخوة وهو أن يبقى باتصال دائم مع أحد طلبة العلم هذا الشيء له عوائد وفوائد كبيرة من أهمها وجود مرجع سريع، وهو من أسباب الإعانة على الثبات. ومما رأيت أن أحدهم أراد أن يجمع ويقصر في مطار الرياض قبل السفر وهو من أهل الرياض! مع أن الرحلة كانت الساعة التاسعة مساءً بل كان يريد فعل ذلك في بيته ولم يسعفه الوقت. وآخر في الطائرة يسأل عن حكم أكل الديك الرومي!!
 
الغربة والتكيف:

   هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل، وكما يقال في المثل العامي (العود من أول ركزه)، تختلف ظروف المغتربين وقدرتهم على التكيف؛ بعضهم يتكيف في شهر وأراها الفترة الطبيعية وبعضهم في أقل أو أكثر، في هذه الفترة يرسم المغترب تصوراً ذهنياً عن الحياة الجديدة ويؤثر في هذا التصور الناس الذين يصادفهم، وتسهيلات الإقامة والسكن، والجو ونوعية الأكل، إضافة إلى بُعد الأهل والأصدقاء والبيئة التي اعتاد عليها. لا أخفيكم أنني رأيت أحد الطلاب الأجانب (وليس عربي) يبكي ويقول أنه مشتاق لأمه ويريد أن يرجع مع أنه في أواخر العشرينات من عمره، ولم يمضي على بقاءه في ووهان سوى أربعة أو خمسة أيام. أخذه أحد الأخوة وحاول تهدئته فوجد السبب الرئيسي أنه لم يعتد على الأكل وأنه اشترى أحدى المأكولات المعلبة وكانت منتهية الصلاحية ولم يعلم بذلك. أنا شخصياً لم أعتد على الأكل الصيني إلا بعد شهر تقريباً ولله الحمد، بعض المغتربين تمر به حالات نفسية قد تنعكس على صحته وهذا مشاهد وواضح وسرعان ما يزول العارض الصحي بالتأقلم والارتياح النفسي.

   هذا من الجانب النفسي وأما من الجانب الفكري وهو الأهم؛ فتجد الكثير من الناس يصاب بصدمة ثقافية كبيرة، اختلاف العادات القيم، اختلاف المفاهيم واختلاف في الملبس والشكل وطبيعة الحياة. يحتاج هذا إلى نوع من المرونة إن صح التعبير في استقبال ولا أقول تقبل وبينهما فرق كبير؛ استقبال هذه الثقافة ونمط الحياة والتكيف معه بحيث نتوقف عند ما يجب الوقوف عنده وقبول الذي يمكن قبوله مما لا يمس ثوابتنا وقيمنا التي لا ينبغي لأحد أن يتنازل عنها. وإن كنت رأيت من بعض المغتربين زعزعة كبيرة في هذا الجانب وأحيل هذا الشيء إلى عدة أمور منها قلة الوعي والتثقيف لدى المغترب، ومنها طريقة تربيته التي تربى عليها و سأعود لجانب التربية في موضع آخر، ومنها حب التغيير الجامح والشغف لما في يد الغير، ومنها اعتقاد بأن هذا تطور وتحضر. وهكذا تمر الأيام ويتكيف الإنسان على الحياة الجديدة بدرجة ما إلى أن يشاء الله.
 
التربية والثوابت:

   لعل من أهم الأمور التي يبني عليها الإنسان حياته هي طريقة تربيته، والتربية لها جانبين تربية ذاتية وتربية من العالم الخارجي (الوالدين، المعلمين، البيئة، القنوات الفضائية…..)، وقد يستغرب أحدكم لماذا أتكلم عن هذا الموضوع هنا!

   كيف لا يكون الحديث عنه وأراه من الأركان الأساسية التي تؤثر في حياة الإنسان، وخصوصاً وهو يمر بمرحلة مهمة في حياته وهي مرحلة العيش في بلد غريب في كل شيء. أن الذي لديه تربية ذاتية جيدة محصناً نفسه من التأثر بالمدخلات الغريبة عن دينه وقيمه، وكان حسن التربية من والديه، لا يُخشى عليه أن يكون في أي مكان كان. وعلى العكس تماماً، ترى ذاك مهزوز الثقة في نفسه، وفي عزته بدينه، الذي شرفه الله به وميزه على كثير من خلقه، سرعان ما ينجرف خلف تيار الشهوات ضارباً بعرض الحائط كل تعاليم الدين وقيم المجتمع التي نشأ وترعرع فيه، وقد لا يكون بهذه الصورة ولكن كثير من الناس يعتقد أنه يريد أن (يعيش حياته) و(يبسط نفسه)، على حساب دينه وأخلاقه!

   لو كانت القيم الداخلية لديه مبنية على أساس متين، وكانت تربية والديه له تربية صحيحة؛ لكان شخصاً مؤثراً لا يتأثر. حتى لو ضعفت إحدى جوانب التربية، فوجود أساس أصيل يبقى له أثره، بحيث لا تزيده الأحداث إلا صلابة في تربيته واعتنائه بقيمه.

   لذلك نصيحتي للآباء: أن اتقوا الله في أبنائكم وأحسنوا تربيتهم، فإنكم مسؤولون أمام الله عنهم. ويا إخواني وأخواتي أنتم كذلك مسؤولون عن إصلاح أنفسكم، فلا تكونوا بلا قيم ولا ثوابت، ارتقوا بأنفسكم وتعلموا ما ينفعكم ولا تتبعوا الشهوات أو الشبهات فتظلوا .
 
الإسلام شريعة الله الخالدة:

   ما أروع هذا الدين الذي لا يوجد شيء في الدنيا يستطيع إيجاد صلة بين العربي والأعجمي، والشرقي والغربي، الآسيوي والأفريقي، إلا إسلامنا والآدمية البشرية، ويتجلى هذا في الاجتماعات الدينية؛ لازلت أتذكر يومي عيد الفطر والأضحى؛ هناك في مصلى تحت مبنى سكن الطلاب في إحدى الجامعات اجتمع المسلمون، ربما تجاوز عددهم المائتان _وليس هذا عدد كل المسلمين الأجانب في ووهان، لأن منهم من يصلي في مصليات في جامعات أخرى ومنهم من يذهب إلى المسجد_ يرتفع في المكان صوت التكبير، لغات مختلفة ولهجات شتى، عرب وعجم، بيض وسود، كبير وصغير. الكل يكبر ويذكر الله. حتى انقضاء الصلاة وترى الإخوة كيف يتعانقون ويتصافحون حتى وإن كانوا لا يعرفُ بعضهم بعضاً ، وربما اختلفت اللغات؛ لكن المشاعر بالتأكيد لا تختلف والروح الإسلامية وصدق الأخوة لا تختلف. تبادر إلى ذهني حينها لو كانت الأمة الإسلامية على هذا النحو من الترابط ولو كانت النفوس صافية تجاه بعضها، كيف بالله سيكون حال الأمة!.

   وكذلك في رمضان حينما تصطف الأقدام خلف الإمام، ويصلي المسلمون وأرواحهم مشتاقة لبيت الله، كم من واحد يمني نفسه بأن يكون هناك خلف السديس أو الشريم حفظهم الله، وكم من شخص عادت به الذكريات إلى بيوت الله التي تعج بالمصلين المقبلين على الله. مشاعر جياشة وعاطفة متصلة تصل إلى هناك لتربط الأزمنة والأمكنة ببعضها فتسيل الدموع وتحرك الأفئدة، ويبقى أن الله واحد في كل مكان، وهو المعبود في كل الأوطان. فلا فرق بين الصلاة هنا أو هناك والعبرة بالقبول. عسى الله أن يتقبل منا ومن المسلمين أجمعين صالح الأعمال.

   المسلم الفطن العاقل؛ يتمثل دين الله في نفسه فهو مقيم لشرع الله مؤدياً لفرائضه مهما كانت الأحوال والأوقات والظروف. لا بأس إذا حضرت الصلاة وأنت في سوق أن تتجه إلى بقعة نظيفة وتصلي فرضك، لن يضايقك أحد وإن كان هناك فضول واستغراب، لكن لا بأس ما دمت تحترم دينك فإن الناس يحترمونك على كل الأحوال. والحمد لله في الصين لا توجد مضايقات بهذا الخصوص، بل يتفهمون إن أخبرتهم أن هذا دينك ويجب أن تؤدي هذه العبادات في هذه الأوقات. قد يدعوهم هذا للسؤال عن سببها وكيفيتها. بلغ دين الله بخلقك وتعاملك وابتسامتك وصدقك. لا تكن متهاون متكاسل خجلاً ولا تكن متشدداً جباراً، أظهر دين الله فلا تدري ربما اهتدى أحدهم بسبب سلوك رآه منك.

   والعجب أنك ترى من لا يعنيه انتسابه إلى الإسلام شيئا؛ وقد تكون العبارة السابقة مبالغ فيها، لكني أتألم كثيراً حينما أرى شباب الإسلام الذين يجري في دمائهم حب الله ورسوله، يتسابقون ويتنافسون إلى مصاحبة الفتيات وربما حصلت خصومات من أجل فتاة لا تستحق أن يلتفت لها فكيف بما سوى ذلك! وربما رأيتهم يتفاخرون بارتياد أماكن اللهو، متناسين من هم وما هي هويتهم. وفي نفس هذه اللحظات هناك أناس عاملون لكنهم دعاة إلى ضلال، لازلت أتذكر ذلك الموقف بكل تفاصيله وأحفظ يومه وتاريخه ووقته، يوم أن التقيت بمجموعة صينيين عند مدخل سكن الطلاب وهم يحملون عشرات الكراتين المليئة بالكتب، استغليت وقوف أحدهم وبادرته بالسؤال ما هذه الكتب؟ وأخذت أحد الكتب أنظر إليه. عندها صعقت يوم أن قال كتب تنصيرية!! لم أستوعب فكررت السؤال مرة وأخرى حتى أخبرني أحد الزملاء بما يقول، عندها وكأن صاعقة أصابت عقلي، وكأن بركاناً في صدري يغلي، انتفضت وما أدري ما فعلت ألقيت عليه بكتابه بطريقه لفتت انتباه كل من حولي، فما عدت استطيع أن أتمالك نفسي. يالله ما هذا الذي أمامي! لست ألومهم والله فهم يخدمون مبادئهم. لكني خشيت أن يحل علينا عذاب من الله. تقصير مني عظيم وغفلة من شباب الإسلام أحفاد الصحابة وأبناء الصالحين، كيف بالله هؤلاء يبذلون جهدهم في الدعوة إلى ضلالة ونحن نبذل جهدنا في شهواتنا وملذاتنا دون لحظة تفكير وليست لحظه عمل، من أجل أن نبلغ رسالة رب العالمين. والله أننا محاسبون عن تقصيرنا هذا. والأدهى من هذا الموقف؛ موقف آخر تمنيت لو أنني لم أسمعه ولم أعرفه، شعرت عندها بذلة ومهانة وصغار الشيء الكثير، يوم أن رأى نصرانياً صديق لبعضنا أحد الشباب المسلمين وهو يشرب الخمر، فبادره الشاب بقوله: أرجوك لا تخبر أصحابي، فقال النصراني: لكن الله يراك. يا له من عار علينا نصيحة من مشرك بالله لمسلم موحد!!

   لماذا نضع أنفسنا في مثل هذه المواقف والله سبحانه أعزنا وكرمنا بالإسلام، الدين الكامل الطاهر الذي يصلح لكل الأحوال والأزمان، الذي به تسعد النفوس وترتاح القلوب وتطمئن تشعر بمعنى الحياة الحقيقي. اسأل الله أن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأن يصلحنا ويهدينا إلى الصراط المستقيم.

  في مثل هذه الظروف؛ إما أن يرتفع الإيمان أو يهوي في مهاوي الردى، وليس هذا على الإطلاق لكنه مؤشر يظهر جلياً في بيئة لا تعرف الله رباً، ولا تعرف لتغذية الروح طريقا. وفي وحشة وغربة، غربة الدين وغربة الوطن وغربة اللون والعرق واللغة؛ تتجلى حاجة العبد إلى ارتباط وثيق ومناجاة دائمة لعلام الغيوب الرب الرحيم اللطيف. وإن كانت حاجة العبد لله لا تنقضي ولا تنقطع أبداً ولا للحظه، ومع هذا فإن العبد يلمس حاجته لله في أوقات المحن. فاللهم لك الحمد أن صيرتنا لك عبيدا وأن اخترت لنا الإسلام منهاجا.
 
الأهداف والمهارات:

   جئنا هنا إلى الصين من أجل هدف واحد واضح محدد، أبعثتنا الدولة من أجله، فمن عدم الوفاء أن نلتفت عنه لغيره، وهكذا يجب على الواحد منا أن يكرس وقته وجهده من أجل تحقيق هدفه ولا يحيد عنه. وهذا لا يعني أن لا نمارس أنشطة أخرى اجتماعية وثقافية ورياضية وغيرها، لا أبداً بل هذه الأشياء تكون معينة على تحقيق الهدف الأول. ثم ما يفضل من وقت وهو كثير يكون هذا في تعزيز وتقوية جوانب الإيجاب فينا. وفي اكتساب مهارات كنا نتمنى أن نجد وقت لها. أعتبرها فرصه عظيمة لمثل هذا. ومن لم يحدد له اهتمامات حتى الآن فماذا ينتظر؟ ومن لا يعرف الطريق لذلك يسأل من يثق به لكي يساعده في تحقيق مراده. ربما لا تكون الإمكانيات كما نتصورها من قبل، ولكن علينا أن نخلق لنا جواً ومناخاً مناسبين لتنمية الجوانب الإيجابية واكتساب المهارات التي كنا نطمح في تحقيقها. وهذا ليس محالاً لمن أراد ذلك. حتى إذا عاد الواحد منا يوم أن يعود بعد انتهاء سني الدراسة؛ يكون قد حاز عدة أمور وقد اكتملت جوانب كثيرة في شخصيته.

   حاول أن تغتنم عمرك ووقتك فيما ينفعك وهو كثير، جميل جداً أن نكتب أهدافنا ونسعى في تحقيقها ونقيم أنفسنا بعد فترة ومدى تحقيقنا لها. وسنجد من يعيننا وإن لم نجد، نحن من نبعث هذه الروح وهذه الاهتمامات إلى من حولنا لنرتقي جميعاً ونكون أنفسنا التي نريدها.
 
مع الناس:

   الناس أجناس كما يقال، تختلف طبائعهم وثقافاتهم وأديانهم ومذاهبهم وعاداتهم. تختلط بصنوف مختلفة من البشر، لهذا يتحتم على الإنسان أن يحترم كل الأشخاص مهما كانوا، وأن لا يسئ لمعتقداتهم بل عليه أن يتمثل الإسلام في سلوكه ومظهره ومخبره، وأن يعامل الجميع بالتي هي أحسن، طبعاً دون التنازل عن قيمنا وأخلاقنا وديننا.

   قد تجتمع يوماً بنصراني أو بوذي في فصلك الدراسي أو في مسكنك، فمن الطبيعي أن تكون بينكم ألفة وعلاقة لا تتجاوز الزمالة دون أن تصل إلى الولاء والمحبة مرتفعه عن الحقد والكره. هي علاقة طيبة سمحة فيها العدل والوفاء هكذا معظم الطلاب هنا وإن لم يكن جميعهم. الكل يحترم الآخر ولا يتعدى على ديانته ولا معتقده إن كان على غير مذهب أهل السنة والجماعة.

   ربما يحدث أن يكون هناك خلاف مذهبي فقهي، اعتاد أهل بلد على فعله دون غيرهم، فلا ضير ما دام الخلاف ليس عقدي وليس على أصول الدين وما دامت المحبة والألفة في القلوب فلا تعصب لرأي ولا خروج عن جماعة، يحدث مثل هذا في رؤية الهلال وفي التكبير أيام العيد ولياليه ونحو ذلك. والحمد لله أن الجميع هنا على درجة كبيرة من الفهم والإدراك. وفق الله الجميع.

   سبحان الذي أوجد أناساً أخياراً في كل مكان في هذا الكون الفسيح، في الصين تجد دمث الخلق نضر الوجه حسن التعامل من عرب وغيرهم. كيف لك أن تعرف مثل هؤلاء لولا قدر الله ووجودك في مثل هذا المكان؟ أنها حكمة الله سبحانه، والناس معادن كما يقال، وفي السفر وقبله تظهر معادنهم الأصيلة، فكم من قلب أهتم بك! وكم من عزيز شغل فكره بك! وكم من كريم ذكرك ودعا لك. يسخر الله الناس بعضهم لبعض فتجد التعاون والألفة والإخاء ما يسر به الخاطر. ونحن هنا من عرب ومسلمون بيننا ترابط ووفاق ولله الحمد والمنة، وكذلك إخواني السعوديين كأننا أخوه بالفعل، اجتماعات متواصلة ووقفة رجل واحد في المحن والأزمات، أدام الله علينا فضله ومنته.
 
كيف الصين؟ :

   كثيراً ما أسأل هذا السؤال؛ فأجيب بكل عفوية: “الصين كبيره وش دراني عنها”. فعلاً الصين أمة كبيرة وملايين من البشر ومئات المدن والقرى، كيف لمثلي أن يعرفها؟ لكني أفهم ما يقصدون، فأقول ما أعرفه عن ووهان وعن حياتي فيها: ووهان مدينة زراعية صناعية تعليمية هادئة تعتبر من كبرى المدن، آمنة ومستوى المعيشة فيها منخفض، تنقسم إلى ثلاث مناطق (اوتشان) وهي منطقة تكثر فيها الجامعات و(خيان) وتكثر فيها المصانع و(خانكو) وهي منطقة الأسواق، جوها حار رطب في الصيف وشديد البرودة في الشتاء وأما الخريف والربيع فإنهما بين هذا وذاك، ممطرة في كل الفصول، يمر بها نهر يقطع عدة مدن يعتبر أعرض نهر في العالم حسب ما سمعت، وفيها بحيرة كبيرة تعد ثاني بحيرة في الصين من حيث المساحة، وأهلها ممن خرجوا إلى الحياة المتحضرة من سنوات قريبة، والشعب أخلاقه طيبة، ودود إلى درجه كبيرة، وقريب من الفطرة، إذا كونت علاقة مع أحدهم وما أسرع وأبسط تكوين العلاقات فإنك تجد منهم وفاءًا لم أرَ له مثيلاً. لا يوجد في ووهان مطاعم عربية ولكن يوجد مطاعم إسلامية، غالبها مستوى النظافة وجودة الأكل دون المستوى لكن سرعان ما تعتاد عليه، لغتهم تعد الأصعب في العالم، ولهم عدة لغات لكن اللغة المعتمدة لغة أهل بكين وهي التي تدرس في كل المدن والمفترض أن كل الصينيين يعرفونها، ولكن عندهم لهجات من هذه اللغة، فقد لا يفهم الصيني لهجة مدينة أخرى ويعد هذا شيئاً طبيعياً. اللغة ليس فيها حروف ولكن هي كلمات أكثر من عشرة آلاف كلمة، وليس كل أحد يحفظها، وربما ترى معلم اللغة في الجامعة ينسى بعض الكلمات. ترى برامجهم في التلفاز يكتبون الكلمات التي ينطقونها حتى يفهم المشاهد ماذا يقال. تستخدم حروف لاتينية لها نطق خاص ومختلف لمعرفة نطق الكلمات الصينية. أقترح لمن أراد دراسة اللغة أن يحضر للدراسة ويتعلم بعض الكلمات ويعتاد على النطق، هذا الشيء يسهل له تقبل اللغة.

   الأجنبي محط الأنظار والاهتمام، وكثيراً ما نسأل من أي بلد أنت وحينما تقول السعودية، مباشرة يقولون أنتم أغنياء عندكم بترول وأموال، كنت أقول لا، وأشرح لهم أن البترول له شركات متخصصة وللدولة وأن في السعودية فقراء وطبقة متوسطه وهم الغالبية، لكن مللت ولن يقتنعوا خصوصاً العامة الذين لا تربطك بهم علاقة، فأصبحت أبادر وأقول نعم صحيح! كثيراً ما يتم تصويري بدون إذن مني لأنهم يرون شكلاً غريباً وملتحٍ وكأنها فرصة لا تعوض، والذي لديه الجرأة يطلب التصوير معي فأرحب بذلك وأنال بعدها شكراً وفيراً! وخصوصاً في يوم أقامته الجامعة للطلاب الأجانب، كل جالية لها قسم خاص تعرض فيه معلومات عن بلدها، كنت يومها وكذلك الطلاب السعوديون كنجوم السينما، الكل يتمنى التصوير معنا، خصوصاً مع لباس الثوب والشماغ.

   المسلمون في الصين كثير، وهم قوميات مختلفة. ولهم بعض المدن الخاصة بهم وأشهرها (شنجان) التي تقع شمال الصين. والمسلمون منتشرون في مدن الصين المختلفة. ووهان فيها ثلاثة مساجد يقام فيها الصلوات الخمس والجمع والأعياد معظم أئمتها درسوا في الأزهر الشريف. بعضهم يعرف العربية مكسره وبعضهم لا يعرفها ولكنهم يقرؤون القرآن بصوت بديع. صلاة الجمعة والتراويح تختلف كثيراً غريبة جداً وعند سؤالهم عن هذا قالوا هكذا اعتاد الناس هنا ولا نستطيع التغيير. والمسلمون _حسب الذي أعرف_ ثلاثة أقسام: جهلة لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه وربما بعض قصار السور، ومتبعون لا علم لهم وفيهم تصوف كبير، يتبعون علمائهم. و مسلمون معتدلون محافظين. وفيهم الصالح التقي النقي الذي لو قارن احدنا به لتلاشى أمامه. فهم صابرون محتسبون رغم الفتن.
 
لها أثر:

-          الانترنت قرب البعيد، الحمد لله على هذه النعمة.
-          الإنسان يستطيع أن يعيش في أي مكان، فقط إذا أراد ذلك.
-          التغيير سنة الحياة، وإذا غيرت بيئتك غير معها الكثير من سلبياتك.
-          السفر وتغير الأحوال والناس والأفهام من حولك، سبب في توسيع مدارك العقل وزيادة في فهم للحياة وتعقل الأمور. فقط لمن أراد ذلك!
-          بادر ثم بادر ثم بادر…قد تأتي لحظات وتندم على فرص ضيعتها.
-          جميل أن يسجل الإنسان ذكرياته وخواطره.
-          أينما حللت اترك لك أثراً تذكر به.
-          الوداع ألم؛ لا أجد له تعبير. لكن عزائي دائماً أن بعد الفراق لقاء؛ واسأل الله أن يكون لقائنا الأبدي في جنة الخلد.
 
امتنان:

-          الحمد لله والشكر من قبل ومن بعد على نعمة التي لا تحصى.
-          الشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله، ووزارة التعليم العالي والسفارة والملحقية السعودية على اهتمامهم ورعايتهم، وفقهم الله وسهل لهم دروب الخير والصلاح.
-          الفضل العظيم والنعمة الإلهية الجليلة، والداي العزيزان وأخواني وأخواتي وسائر قرابتي متعهم الله بالصحة والعافية وأكرمهم الله بفضله، ورضي الله عنهم وأرضاهم وجعل مثواهم الفردوس الأعلى.
-          إخوان صدق، أصدقائي الأوفياء، أسعدكم الله بطاعته ونور قلوبكم وأكرمكم بجنته.
-          الكرماء العرب والسعوديون في ووهان، إخوان في الرخاء والشدة وعون على الطاعة شرف لي معرفتكم سهل الله أموركم ووفقكم وأعادكم إلى أوطانكم سالمين غانمين.
-          إلى من وقف بجانبي في أمر يخص ديني أو دراستي بتوجيه أو اقتراح وغيره، أغدق الله عليك فضله ورزقك محبته ومحبة عباده وأصلح ذريتك ووفقك لكل خير.
-          كل من أهدى لي نصحاً أو دعا لي يوماً وكل من ظن بي خيرا، أسعدك الله ورزقك الحسنى وزيادة ومنّ عليك برضوانه.
-          كل صديق أجنبي أو صيني عرفته في الصين، معرفتكم شرف لي، أسأل الله أن يثبت مسلمكم على الدين ، وأن يهدي غير المسلم للإسلام وأن يشرح صدورنا جميعاً للإيمان. متعكم في الدنيا والآخرة وجعلكم من أوليائه الصالحين.
 
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد…
 
 
كتبه/ عصام بن محمد آل محسن
16/1/2008 – 8/1/1429
 


 

الحمدلله الذي منّ علينا بالإسلام، الحمدلله الذي اختارنا من خلقه وأكرمنا بهذا الفضل العظيم والشرف الرفيع… وتفضل علينا بأن جعلنا خير أمه… ونتبع خير الرسل بل أفضل البشر عليه الصلاة والسلام… أكمل لنا الدين ورضيه لنا وأتمم علينا النعم الظاهرة والباطنه … الحمدلله لا نحصى ثناء عليه… له الحمد في الأولى والآخرة…

دين شامل كامل لا نقص فيه ولا عيب، نزل به أعظم الكتب؛ القرآن العظيم كلام رب العالمين… أحق ما قيل وأصوب، وأزكى وأنقى وأسمى الكلم…

كان لابد لي من الإشارة ولو بإلماحه لشرف الإسلام وعظيم فضل رب العالمين أن أنزله على نبينا عليه الصلاة والسلام و كرمنا بإتباعه والسير على منهاجه. وليس هذا مقام الحديث عن الإسلام وإلا فالكلام كثير ويطول بنا المقام في الحديث عنه دون أن أصل لما أريد الحديث عنه في هذه المقالة…

أقول وبالله التوفيق؛ أن من الواجب علينا كمسلمين أن نتمثل الإسلام في ذاوتنا وأن نبتعد عن التنظير الذي يمر به كثير من أطياف المجتمع المسلم هذه الأيام. الدين ليس مجرد مثاليات وتوجيهات نعرفها ونفهمها ثم لا نطبقها، أو أنها صعبة التطبيق أو مستحيلة! لا أبداً بل أن الدين الإسلامي دين شامل كامل؛ دين واقعي يحاكي كل ضروف الحياة وتقلبات الزمان وصنوف المشكلات والمعضلات وحتى الأفراح والأتراح وكل ما يعتري الإنسان والبيئة والمجتمع بشكل عام من أي تغيرات ومؤثرات.

إن الله جل وعلا الذي تولى حفظ هذا الدين وجعله صالح لكل زمان ومكان، هو ذاته الذين خلق الكون وخلق كل شيء فيه، وهو سبحانه الأعلم بالأصلح لنا ولذا نجد ارتباط وثيق بين الطاعة والالتزام بالدين وبين التوفيق والتيسير في الحياة، ولو تأمل أحدنا قليلاً في المجتمع من حوله لوجد إن أنجح الناس اليوم في العالم الإسلامي بل وربما في العالم أجمع في بعض الأحوال يجد إن خلف هذا النجاح هو قوة الإيمان بالله والعمل بمرتضاه، وإن كان هناك ناجحون من غير المسلمين فنجاحهم بكل تأكيد يفتقد إلى حلاوة الروح والسعادة الداخلية، هو نجاح دنيوي لا غير، وإما الناجحون حقا هم أولائك الذين جعلوا دين الله لهم منهاجا، وعلى خطى محمد صلى الله عليه وسلم طريق يسلكونه لنيل مرادهم بتوفيق الله وامتنانه.

وإن العجب اليوم أننا أصبحنا نعد هؤلاء عداً من قلتهم رغم أن المسلمين فاق عددهم الملايين! وأرجع هذا الشيء إلى ما ذكرته قبل قليل هو تمسكهم بالصراط المستقيم وبعد كثير من المسلمين عن امتثال هذا الدين واقعاُ ملموساُ في الحياة.

وإن المتأمل لتعاليم ديننا الحنيف وفرائضه؛ يجد أن فيها من الفوائد والأمور التي تمس واقع الناس اليوم وحياتهم الخاصة والعامة، وهذا واضح لا يحتاج إلى إيضاح مثل فرض الصوم من فوائده تقوى للقلوب وتقوية للأبدان وفيه تزكية للنفس وكذا الصلاة فيها احترام المواعيد وهي الصلة بالله لعظمها، والحج وروح المجتمع الواحد والزكاة فيها من الرحمة والشفقة والتكافل…إلى غير ذلك من التقرب إلى الله بصنوف الطاعات والعبادات والنوافل القلبية  والفعلية…

وعلى هذا أدعوا نفسي وكل من يقرأ حرفي هذا؛ أن نمتثل دين الله واقعاً في حياتنا وأن نلتزم به قدر الإمكان وأن يكون نصب أعيننا في تعاملنا مع الآخرين وفي تعاملنا مع أنفسنا وقبل ذلك في تعاملنا مع الله جل جلاله، حتى نظفر بالفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، وعلى كل الأحوال نحن الذين في حاجة الله دائماً وهو الذي في غنا عنا دائماًُ…


 

باقة متنوعة من أقوال أعجبتني، نتنقل بين روحانية مؤمن وبين رقي بالذات وطموح يخالج النفس، أغلبها من رسائل جوالي وبعضها من مقولي الشخصي…أترككم معها راجياً الله أن تكون ذات نفع وفائدة…

- كان عطراً من التواضع…كان عبقاً في الطرقات…لا يأنف ولا يستكبر…له ابتسامة تشرق معها الدنيا…كان له ضياء يفوق القمر؛ أرقى الخليقة خلقا وخلقا…يعرف بريح الطيب إن أقبل…يخيط ثوبه…ويخصف نعله؛ كان أرقى القلوب… وأخشع الخلق…يبكي شوقاً لنا…
فهل بكينا شوقاً إليه؟
عليه أكمل صلاة وأتم تسليم…

- الطاعات موصولة دائماً بنوع من أنواع النفع، والمعاصي موصولة دائماً بشكل من أشكال الضرر، وهذا ثابت وواضح، وهو دليل على حكمة الله تعالى ورحمته بعبادة.
 
- ما أجمل أن يعود الواحد منا إذا وضع رأسه على وسادته أن يتساءل عن الأشياء الجيدة التي كان في إمكانه أن يعملها لكنه لم يعملها. (د.عبدالكريم بكار)

- حاول دائماً أن تعرف ما يشكل الفوارق بين الناجحين والمخفقين، ومما يساعد في هذا أن نستحضر سيرة واحد من هؤلاء وواحد من أولائك، ثم نقارن بينهما لنستخلص العبرة.

- لا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير…ومطالعة كتب المفكرين…واليقظة لتجارب الحياة…(مصطفى السباعي).

- ”ما تركز عليه ستحصل عليه” اختر لنفسك أسمى وأعلى الغايات وأمض في تحقيقها؛ واثقاً بالله ثم بنفسك ومتوكلاً على الله ومحسناً الظن به ومعلقاً قلبك به عاملاً بالأسباب سالكاً أيسر الطرق.

- ”التميز لا يكون صدفة أبدا” بل هو نصب وتعب وصدق وتوكل وحسن نية وصبر وتخطيط متقن وتفاؤل وخلق جم وتواضع وإبداع!

قبل عام كنت قد أعلنت إضافه رابط جديد للمدونه، وهو www.lifeishope.com واليوم أتفاجئ أنه أصبح لموقع آخر!!
وذلك بسبب أنه أنتهت مده حجزي له، ولم يسعفني الوقت للتجديد، وصاحب الموقع الأجنبي لم ينتظر فهي فرصه بالنسبه له، على كل الأحوال لعلنا نستطيع الحصول على رابط آخر جديد ويبقى هذا درس في سرعة المبادرة وإنجاز المهام.
ويبقى الرابط الأصلي لا يزال
www.essam-1.com

هكذا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كيف تكون هممنا عاليه، لا ترضى بالدون إطلاقا. الفردوس الأعلى وهو أعلى الجنة، لم يقل الجنة فحسب، لأنه يريد أن يربينا على أن تكون نفوسنا تواقة، للخير مقبله بل سباقه، وقد فهم هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعمل به واقع في حياته، حيث قال في آخر عمره : (إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها.)، لله هم هؤلاء الرجال الذين صدقوا الله فصدقهم. تتحرك قلوبهم وجوارحهم برضى الله سبحانه، كانوا قد رسموا لأنفسهم أهداف وصيروها واقع يعيشونه، وغمروا قلوبهم بالإيمان والرضى والتسليم لأمر الله والتوكل عليه، وفي ذات الوقت ساروا بخطى ثابتة لتحقيق آمالهم ورغباتهم.
وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أشار فيه إلى الفردوس الأعلى، وهو يعلم أن هذا ليس بسهل التحقيق بل أن هناك صعوبات وعوائق ولا أدل على ذلك إلا الحديث الذي جاء فيه (..حفت الجنة بالمكارة..)، وهذا درس في الصبر والسعي لتحقيق الهدف مهما بلغت الصعوبات وتعثر بنا الطريق…

أننا في هذه الحياة لم نخلق إلا لغاية، وهذا أيضا دليل آخر لأن نكون أكثر جديه في حياتنا وأن نصل بذواتنا إلى تحقيق مرادنا، وأن نشغل أوقاتنا بما ينفعنا. لأن النفس أن لم تشغلها بالحق؛ شغلتك بالباطل.


تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

واسأل الله أن يعيده على الأمة الإسلاميه باليمن والبركات والنصر والعزة والتمكين…

وتقبل الله طاعتكم…


 

(لأن بقيت إلى رمضان المقبل ليرن الله ما أفعل!!!)

بهذه الجملة ختم رمضان هذا العام؛ بل بهذه الجملة ختمنا رمضاننا هذه المرة!!

موسم عظيم…ورحمات بالعباد تنزل…وفضل من الله ينعم به علينا…نفحات إيمانيه وفرص ثمينة…
ليالي فاضلات…صوم وقيام…صدقة وإطعام…تلاوة قرآن ودعاء…ذكر واستغفار…توبة وإنابة…بر وصلة…تزاور وتناصح…
هكذا وغيرها من الأعمال من الثقيلة في الميزان الخفيفة على بني الإنسان…لكن هيهات هيهات من منا أدركها وعقلها…والأهم من منا عمل بها وأخلص لله فيها؟؟

الليلة الأولى مباركه وفرح واستبشار…ودعوات على الإفطار…ثم ليلة وليلة حتى ينتصف الشهر ويقترب من الرحيل…ثم يخمد الحماس…وتبرد النفس…وتضعف الهمة…وتزداد الذنوب…ذنب يعقبه آخر وآخر…وتزدان الليالي بعصيان الباري…ويكثر النوم عن الصلوات وكأنها ليست من الواجبات…

ثم في لحظه إذ بنا في العشر الدرر…عشر العتق من النيران…ليالي فيها أعظم ليلة على الإطلاق…أيام أقضت مضاجع الصالحين…وشمر فيها عن ساعد الجد الأولين…وأما نحن!!
فقد تمكن منا الهوى وبقينا في غفلتنا…وانتصف أو أقل صف الصلاة…ونام النائمون…وغفل اللاهون…

حتى…حتى…إذا ما جاءت لحظه صحوة!…قلنا آه فات رمضان وانقضى…والله غفور رحيم…
وموعدنا مع…مع…مع القرآن؛ والتوبة؛ والمحافظة على الصلاة؛ والقيام؛…..موعدنا في مثل هذه الأيام من ذاك العام…
والله ليرن الله ما أصنع!! إني فاعلاً وفاعلاً…وقد صدق(وصدقنا)، وسوف يرى الله خيبتنا وغفلتنا…واستمرارنا في التسويف والمماطلة…والطامة الكبرى؛ أننا المتحاجون…الفقراء المساكين…والله هو الغني عنا…وهو المتفضل علينا….

لكني أرجو أن (نكون) ممن وعى وفهم…ولو بعد حين…ولو بعد حين…واستفاق من غفلته…وهب من نومته…وأدرك ولو ليلة!…وأدرك ولو ست من شوال…وأدرك ولو عرفة والحج…أو أدرك يوم عاشورا…
ثم بقي على هذا الطريق…جعل حياته في ظل هذه الآية الكريمة: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

وعاش لله…ومع الله…وفي الله…حتى يلقاه وهو راض عنه غير غضبان…

أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك…واسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا ولكم فيه وأن يعيننا واياكم على صيامه وقيامه وأن يتقبل منا صالح الأعمال…

 

…أروا الله من أنفسكم خير…


 

في فترة مضت وخلت…في أطهر زمان وأشرف مكان… ومع أشرف الخلق وأزكاهم وأعلاهم منزله… حدثت ملحمه عظيمة… ومهرجان حب وإخاء لم تعرف البشرية مثله… نقلت رعاة الغنم… إلى قادة وسادة لجميع الدول والأمم… وكانت البدايه يوم أن آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأسود والأبيض… السيد الحر والعبد المملوك… العربي والأعجمي… آخى بين حمـزة القرشى وسلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيب الرومى وأبى ذر الغفاري… ثم آخى محمد صلى الله عليه وسلم بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، بعد خلاف وشقاق…ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل مكة من المهاجرين وبين أهل المدينة من الأنصار… وراح الأنصاري يرحب بأخيه المهاجر… ويقاسمه في بيته وفي ماله…
روح واحده في أجسام متفرقه…أنها الأخوة الصادقة الحقيقة… أنه صفاء الإيمان ونقاء السريرة… وصدق الله القائل (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)…

أن الحب في الله، والأخوة في الله ركيزة عظيمة من ركائز هذا الدين… فكيف تسير الحياة لو عاش كل منا كارهاً مبغضاُ لأخيه المسلم!!
إنها والله مصيبه وكيف لا تكون مصيبه والحب والبغض من الإيمان فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الألباني رحمه الله (من أحبَّ لله، وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)…

أرأيتم لو أن الإنسان غسل قلبه من الأحقاد… وطهره من الأرجاس… ونقاه من الحسد والغل… ثم استبدل هذا… بالحب… وحسن الظن… والإخلاص… ومحبة الخير لأخيه… والإثار… والتعاون…
كيف بالله ستكون الحياة!!

تعالوا لنقرأ هذا الحديث العظيم… ونمعن النظر فيه… ثم نفهمه ونتدبره… يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتى للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ)
سبحانك يالله… تعطي الكثير على العمل القليل… ياله من فضل… ويالها من كرامه… وأي شيء أعظم من أن يحبك الله!!

إنها دعوة لكي نعود لما كان عليه اسلافنا… ولا نكتفي بالفخر بتاريخ أمتنا… ونقول كنا وكنا… وواقعنا الآن على خلاف ما كانوا عليه…لننفض عنا غبار الجاهليه… ثم ننطلق كما أنطلق الرعيل الأول… القدوات مصابيح الدجى ومنارات الهدى… عليهم رضوان الله… وننهل رحيق المصطفى المختار… وننقاد ونطيع… لعلنا بركابهم نلحق… وبصحبتهم نضفر…

 


يذكر ان هناك ثلاجه كبيرة تابعة لشركة لبيع المواد الغذائية… ويوم من الأيام دخل عامل إلى الثلاجة…وكانت عبارة عن غرفة كبيرة عملاقة… دخل العامل لكي يجرد الصناديق التي بالداخل…فجأة وبالخطأ أغلق على هذا العامل الباب…

 

طرق الباب عدة مرات ولم يفتح له أحد … وكان في نهاية الدوام وفي آخر الأسبوع…حيث أن اليومين القادمين عطله … فعرف الرجل أنه سوف يهلك…لا أحد يسمع طرقه للباب!! جلس ينتظر مصيره…وبعد يومين فتح الموظفون الباب… وفعلاً وجدوا الرجل قد توفي…ووجدوا بجانبه ورقه…كتب فيها… ماكان يشعر به قبل وفاته…وجدوه قد كتب…(أنا الآن محبوس في هذه الثلاجة…أحس بأطرافي بدأت تتجمد…أشعر بتنمل في أطرافي…أشعر أنني لا أستطيع أن أتحرك…أشعر أنني أموت من البرد…) وبدأت الكتابة تضعف شيء فشيء حتى أصبح الخط ضعيف…الى أن أنتقطع…

 

العجيب أن الثلاجه كانت مطفأه ولم تكن متصله بالكهرباء إطلاقاً !!

برأيكم من الذي قتل هذا الرجل؟؟

لم يكن سوى الوهم الذي كان يعيشه… كان يعتقد بما أنه في الثلاجة إذن الجو بارد جداً تحت الصفر…وأنه سوف يموت…واعتقاده هذا جعله يموت حقيقة…!!

لذلك أرجوكم لا تدعوا الأفكار السلببية والإعتقادات الخاطئه عن أنفسنا أن تتحكم في حياتنا… نجد كثير من الناس قد يحجم عن عمل ما من أجل أنه يعتقد عن نفسه أنه ضعيف وغير قادر وغير واثق من نفسه…وهو في الحقيقة قد يكون عكس ذلك تماماً…

 

لذا لنكون أكثر ثقة بأنفسنا وبقدراتنا … والأهم أن لا نجعل فرصة لمثل هذه الأفكار أن (تعشش) في داخل عقولنا….

« الصفحة السابقةالصفحة التالية »